pessimist_realist_optimist

ثلاثُ وَصَفاتٍ سوريّة

مرت أربعة أسابيع…

أذكر أني لم أَنَمْ تلك الليلة التي توِّجت بهروب الأسد وببداية حقبة جديدة في بلادي. ولا الليلة التي سبقتها. فالأحداث المتسارعة منذ أسبوع سرقت النوم من عيني التي غررت بالدموع مع كل خبر يقسم ظهر منظومة الأسد الأمنية الفاسدة الفاشلة.

كغيري، وبعد مرور هذه الأسابيع الأربعة المليئة بالأمل واليوفوريا والأرق، أحاول فهم ما حصل، وأين نحن اليوم، وأحاول تحديد ملامح المرحلة القادمة وشكل المستقبل القريب الذي أريد لأساهم مع البقية في الوصول إليه، مبتعدا في ذلك عن التفاصيل اليومية والفقاعات الإعلامية والتهليل والتهويل الذي يحتل مساحات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

وصلت إلى ثلاثِ “وصفات” مختلفة تحتمل جميعا الصحة والخطأ في الآن ذاته:

“وصفة المتفائل” الذي يقول أن السوريين والسوريات قد انتقلوا من مرحلة الإستبداد إلى مرحلة جديدة تذوَّقوا فيها طعم الحرية، فلا عودة بعدها إلى الاستبداد، وسبب هذه القفزة هو المعاناة الجمعية من الاستبداد بما في ذلك الفصائل الحاكمة اليوم ومؤيدي الأسد السابقين الذين ذاقوا أيضا مرارة وذلّ والفساد والمهانة. وأن الطريق إلى إنشاء دولةٍ ديمقراطيةٍ تعددية حديثة يكون المواطن فيها مصدر السلطات طريقٌ معبَّدٌ وسالكٌ وإنْ كان محفوفاً بالمخاطر والمطبّات. تشكل هنا المعاناة المشتركة بين أبناء البلد أساسَ الهويّة الوطنيّة الجدبدة وهي أساس المرحلة الجديدة.

“وصفة المحايد” الذي يقول أنَّ ما وصلنا إليه اليوم هو أفضل المُمكن بعد أن حشرتنا خيارات الأسد الهارب بين المطرقة والسندان. وأن خطاب السيد أحمد الشّرع مشجِّعة جدّاً وتصبّ بشكل أو بآخر باتجاه صناعة عقد اجتماعي جديد وبناء دولة ديمقراطية حديثة على أساسه. لكن خيارات الشرع وخيارات الهيئة والفصائل الأخرى المنضوية تحت راية “ردع العدوان” لا تبدي التوجُّه نفسه. فالخطوات إلى دولة ديمقراطية خطوات واضحة ومعروفة، لكننا لَم نَرَ منها بعد إلا التصريحات… لكن المساحة ما زالت متاحة. والشرط هنا من جديد هو أن يطغى ولاء الفصائل للوطن على ولائهم للفصيل.

“وصفةُ المتشائم” الذي يقول أن الفصائل الحاكمة متعددة وذات مطالب وتصورات مختلفة لشكل المستقبل وولاؤها عقائدي اي للعقيدة وليس للدولة وأنها ستتجه لا محالة نحو الصدام عند أول خلاف على المكاسب أو على شكل المستقبل أو في حال اختلاف مصالح القوى الإقليمية والدولية الداعمة لهذه الفصائل وإن بدا حاليا انها على توافق، إلا أنها قد تختلف في وقت لاحق. ويكفي أن نرى حال ليبيا وحال السودان لنعرف ان الأمر غير بعيد. وعلامتها وضع مصلحة الفصيل فوق المصلحة الوطنية

ربما يمكن القول أن تقوية الهويّة الوطنية وتدعيمها أفضل ما يمكن أن تفعله القوى المجتمعية والسِّياسيّة على الأرض اليوم…

Leave a Reply