ومضات من الذكاء الصنعي العام في نماذج اللغات الكبيرة

التقدم العلمي في مجال الذكاء الصنعي Artificial Intelligence وبالتحديد نماذج اللغات الكبيرة Large Language Models LLMs والذي بدأت أنباؤه وانعكاساته تصل قطاعات الاقتصاد كافة، وصل إلى مرحلة حرجة وملحة، تحتاج تسليط الضوء وتحتاج التمعن في معانيها وتبعاتها.

في الأسابيع القليلة الماضية، قامت شركة OpenAI بالاعلان عن نموذج GPT-4. وجامعة Stanford أعلنت عن إصدار نموذج Alpaca B7 مفتوح المصدر، والمجاني، والذي يمكن تدريبه بتكلفة 600$. كما نشرت وMicrosoft أعلنت عن أن محرك البحث Bing يستخدم حاليا نموذج GPT-4 كما أضافت Copilot لأدوات Office. وشركة Google أعلنت عن إصدار نموذج PaLM وعن نيتها لأضافته إلى Google Workspace. وشركة Enthropic أعلنت عن إصدار Claude. أيضا شركة Midjourney أعلنت عن إصدار النسخة الخامسة من تقنيتها. كما أعلنت Wolfram Alpha نيتها جعلها متاحة لـ GPT-4 متيحا لـ GPT-4 إمكانية إجراء حسابات رياضية بجميع الأدوات والبيانات المتوفرة على منصة Wolfram Alpha.

الذكاء الصنعي العام

تشكّل جميع هذه النماذج تقدما هائلا في مجال الذكاء الصنعي تجعلنا أكثر قربا ممّا يطلق عليه مصطلح الذكاء الصنعي العام Artificial General Intelligence المصطلح المستخدم للدلالة على ذكاء صنعي يحاكي أو يتفوق على الذكاء البشري (الذي يصعب تعريفه…) كما يسمى أيضا الذكاء الصنعي القوي، لتمييزه عن الذكاء الصنعي الضعيف الذي اعتدنا قليلا عليه مع Siri وAlexa وميزات التعرف على الوجوه والصوت، وحتى GPT-3.5 الذي كان مستخدما قبل منتصف آذار/مارس 2023 في خدمة ChatGPT.

في الحقيقة، ناقش الباحثون في شركة Microsoft في ورقة بحث علمي مدقّقّة Peer-reviewed Paper ملاحظة “ومضات” من الذكاء الصنعي العام في تقنية GPT-4 التي بدأت خدمة Bing بالاعتماد عليها منذ فترة.

هذا مؤشر شديد الدقة والأهمية إذ أنه يحدد المساحة الفاصلة بين الذكاء الصنعي الضعيف والذكاء الصنعي القوي. نقف نحن اليوم في بداية المساحة الفاصلة بين الذكاء الصنعي الذي يذهلنا في GPT-4 و DALL-E 2و Midjourney 5 وبين الذكاء الصنعي العام AGI الذي يعادل أو يتفوق على ذكاء الإنسان والذي يهدد الإنسان بالضرورة في موضع اعتزازه وأمانه.

الذكاء الصنعي وسوق العمل

يجب أن ننظر إلى التقدم في مجال الذكاء الصنعي على أنه ثورة في مجال التقانة. وكما كان لجميع الثورات التقنية السابقة آثار عميقة على المجتمعات، سيكون لثورة تقنية الذكاء الصنعي أثر عميق جدا على المجتمعات. فتطبيقاته ستطال قطاعات شاسعة من الاقتصاد ما يعني أن هذه التقنية ستؤثر بالضرورة على سوق العمل. من المتوقع ألا يكون تأثير الذكاء الصنعي الحالي متساويا بين المهن. نشرت شركة OpenAI مؤخرا تقريرا مفصلا حول التأثير المحتمل لتقنيتها GPT-4 على سوق العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتوقع التقرير أن 80% من العاملين سيلاحظون تأثير GPT-4 على 10% على الأقل من مهامهم. في حين سيلاحظ 19% من العاملين تأثير التقنية على 50% على الأقل من مهامهم. وتقول شركة Goldman Sacks أن وظائف 300 مليون عامل وعاملة حول العالم ستصبح مؤتمتة ما يعني احتمال فقدان الملايين لعملهم ومصدر رزقهم وما يعني أيضا بالضرورة حدوث اضطراب اقتصادي واجتماعي وسياسي حول العالم تفكر الأمم المتحدة بتفاديه منذ الآن.

الذكاء الصنعي والجيوسياسة

جميع الثورات التقنية السابقة أعطت من امتلكها من البشر تفوقا مرحليا. لا يختلف امتلاك تقنيات الذكاء الصنعي العام عن ذلك إلا في أن التفوق المرحلي الذي يعطيه امتلاك هذه التقنية لفئة من البشر قد ينزلق من بين أيدي تلك الفئة ليصبح في يد “الآلة” الراغبة على البقاء والتحكم والامتداد والتي ستكون قادرة على فعل ذلك بطريقة ما فالحاجة كما نعلم أم الاختراع.

يجدر هنا بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت منذ نهاية عام 2022 بمنع تصدير تكنولوجيا الشرائح المدمجة microships إلى الصين أو إلى شركات صينية ومنعت أي مواطن أمريكي من العمل في هذا القطاع في الصين أو لصالح شركات صينية تحت طائلة سحب الجنسية…فهل الرغبة في الإبقاء على التفوق في مجال الذكاء الصنعي احد اسباب هذا الحصار؟ أنا أرجح ذلك…

الذكاء الصنعي العام والتهديد الوجودي على البشرية

لا يهدد الذكاء الصناعي العام الإنسان في القوة العضلية (كما في الثورة الصناعية) أو في القدرة على التدمير (كما في اختراع أسلحة الدمار الشامل) ولا في القدرة على حفظ المعرفة أو إجراء العمليات الحسابية (كما في ثورة المعلومات) وإنما في الإبداع والفكر والذكاء (الذي يصعب تعريفه) وهو ما تميّز به الإنسان وأعطاه التفوق على بقية الكائنات على هذا الكوكب وأتاح له إمكانيات البقاء والامتداد والتحكم.

قام حوالي 2000 عالم وعالمة في مجال الذكاء الصنعي منذ يومين بالتوقيق على رسالة مفتوحة تدعو العاملين في القطاع من شركات ومراكز بحث علمية وجامعات إلى وقف التجارب الجارية فيما يسمى تجارب الذكاء الصنعي العملاقة Giant AI Experiments والمؤهلة للوصول إلى مرحلة الذكاء الصنعي العام، (وقفها) لمدة ستة شهور للتداول.

أودّ هنا أن أثني على العلماء والعالمات والمهندسين والمهندسات والمدراء والمديرات الذين أصدروا الرسالة والذين قاموا بتوقيعها فهي خطوة جريئة ومسؤولة وضرورية ومفصلية. لكني متشائم فالرسالة تذكرني برسالة قام بتوقيعها عشرات العلماء والعالمات العاملين الذين قاموا بتطوير القنبلة الذرية الأولى في مشروع مانهاتن في لوس ألاموس أثناء الحرب العالمية الثانية تطلب من الحكومة الأمريكية العزوف عن استخدامها مع استسلام ألمانيا والاكتفاء بالتهديد. الأمر الذي لم يلق أنذاك آذانا صاغية.

سنتذكر شهر آذار 2023

بغض النظر عما سيحصل في المستقبل سنتذكر جميعا شهر آذار 2023 وسنتذكر ماذا كنا نفعل في هذا الشهر وأتمنى بحقّ أننا سننظر إلى هذه الحقبة من التاريخ ونحن في عالم أفضل من الذي نعيشه الآن.

مراجع

– الرسالة المفتوحة التي تطلب إيقاف البحث العلمي لفترة 6 أشهر: https://futureoflife.org/open-letter/pause-giant-ai-experiments/.
– التقرير التقني من شركة OpenAI الشركة التي تطور نموذج GPT: GPT-4: https://cdn.openai.com/papers/gpt-4.pdf
– تقرير عن الإنعكاسات المتوقة لتقنيات LLMs على قطاعات الاقتصاد: https://openai.com/research/gpts-are-gpts.
– ورقة بحث علمي مدققة عن التهديد الوجودي الذي تشكله تقنيات الذكاء الصنعي الحالية والمنظورة Current and Near-Term AI as a Potential Existential Risk Factor https://arxiv.org/abs/2209.10604.
– ورقة بحث علمي مدققة بعنوان ومضات من الذكاء الصنعي العام: تجارب مبكرة مع GPT4 Sparks of Artificial General Intelligence: Early experiments with GPT-4 https://arxiv.org/abs/2303.12712.
– المدونة الخاصة بنموذج Alpaca على موقع جامعة Stanford في الولايات المتحدة الأمريكية https://crfm.stanford.edu/2023/03/13/alpaca.html.
– صفحة ويكيبيديا بالانجليزية عن الذكاء الصنعي https://en.wikipedia.org/wiki/Artificial_intelligence.


بالمناسبة الصورة المستخدمة أعلاه هي من تصميم DALL-E 2. وفي الحقيقة قمت بسؤال ChatGPT عما ينبغي علي كتابته في واجهة المستخدم الخاصة بـ DALLE-2 للحصول على صورة مناسبة لهذه المقالة. تجدون أدناه السؤال الذي طرحته على ChatGPT وكذلك الإجابة ونتائج تنفيذ التعليمات على DALL-E 2:

والنتيجة على DALL-E 2 كانت:


لم أجدها بسيطة كفاية لإعطاء المعنى الذي أردته فطلبت من ChatGPT جملة بحث جديدة بعد أن وضحت بعض العناصر التي أردت أن أراها في التصميم فاقترح نصا جديدا كانت نتيجته: